كتب الراحل أنيس منصور في كتابه “في صالون العقاد كانت لنا أيام”: “يتحدث الناس عن سبب الاستسلام في مصر على أنه بسبب الفول والطعمية. فالإنسان عندما يأكلهما فإنه يصبح شوالا ألقي على الأرض لا يهش ولا ينش. ولو اختفى الفول من مصر لثار المصريون من مئات السنين”. والحق .. أن المصريين مستسلمون طبعا، وأبصم لك بالعشرة! ولكن المؤكد أنهم هادئون مسالمون، أو هم في هدوئهم كالهدوء الذي يسبق العاصفة! وخلال الحملة الفرنسية على مصر أراد نابليون (كما تقول مذكراته) أن يتقرب أكثر للمصريين ويجعلهم خاتما في اصبعه فأشار عليه المشايخ كعادة بعضهم فى كل عصر: “إذا أردت أن يسرع المصريون إلى خدمتك اعتنق الإسلام”. ورأى نابليون أن الحديث في هذا سيكون له أثر طيب، فأجابهم: هناك عقبتان أساسيتان تحولان دون اعتناقي وجيشي للإسلام: الأولى الختان، والثانية شرب الخمر. فقد اعتاد جنودي منذ الطفولة على شرب الخمر، ولن أستطيع أبدا أن أقنعهم بالامتناع عنه. وهنا اقترح الشيخ المهدي عرض الأمر على ستين شيخا من الجامع الأزهر. وانتشر الخبر بأن كبار المشايخ منشغلون في تعليم مبادئ الشريعة للسلطان الكبير والجنرالات وأنهم يناقشون فتوى للتيسير على الفرنسيين المنتصرين الذين أتوا لاعادة مجد الإسلام.
حمل أربعة من رجال الإفتاء الفتوى المكتوبة الموقع عليها منهم، إلى نابليون التي قيل فيها إن الختان عبارة عن إتمام الكمال بالطهارة ، ولم يفرضه النبي، ولكن أوصى به فقط. وأنه يمكن أن يكون الإنسان مسلما بغير الختان. وكانت الفتوى الثانية شرب الخمر، موضوع مناقشات طويلة ساخنة لم تصل لشيء. ورغم ذلك أعلن المشايخ أن نابليون مسلم ويحب القرآن، وأنه مكلف من الرسول بمهمة خدمة الكعبة المشرفة. وتعرض نابليون لموضوع تعدد الزوجات في الإسلام وقدم شرحا لأسبابه، وناشد المشرع في الغرب تقليد هذا الأسلوب للقضاء على العنصرية في أوروبا وبأن الظروف الجغرافية هي التي دفعت المسلمين لتعدد الزوجات في آسيا وأفريقيا حيث عرقيات كثيرة من الرجال وكان تعدد الزوجات هو الوسيلة الوحيدة الفعالة للاختلاط بينهم حتى لا يضطهد الأبيض الأسود أو العكس. ورغم ذلك أيضا لم ينجح بونابرت فى خداع الشعب المصري الذى أدرك أن هذه الأفعال ليست صادرة عن عقيدة حقيقية وإيمان صحيح بل إن إسراف بونابرت في التظاهر باحترام الإسلام هو نوع من النفاق ليس إلا.
وكانت ثورتا القاهرة الأولى والثانية شاهدتين على المصريين عندما يثورون على طريقة: اتق شر الحليم … إذا غضب.
----------------------------
بقلم: خالد حمزة
[email protected]